الفصل الرابع
يدخل نايف إلى منزلة فيجد زوجته متسمرة أمام التلفاز .
السلام عليكم أم ناصر .
وعليكم .
ما هذا الاستقبال ؟
ابنة أخيك اللعينة ترفع صوتها في وجهي وتهددني بالضرب . إن لم نسمح لها بدخول الجامعة .
سميرة ...... سميرة
نعم أنا قادمة .
تهبط سميرة من الدور العلوي مسرعة مرعوبة من عمها .
نعم يا عماه .
تريدين الذهاب إلى الجامعة ؟؟؟
أتمنى ذلك ؟
إن سمعتك يوما تقولين ذلك فسوف أقوم بتحطيم رأسك . هل كلامي مفهوما .؟
ولكن .... فبدأ في ضربها وسط ابتسامات توزعها زوجته وهي تنضر بكل استمتاع إلى نتيجة خبثها ومكرها .
وبينما هو يقوم بضربها إذ هجم عليه شخصا من خلفه وأمسك بيده ودخل معه في عراك لقد كان شقيقها الأصغر سمير الذي سئم من كثرة الضرب الذي يتعرض إليه هو وشقيقته , ولكن نشوة سميرة بوقوف أخاها معها لم تكتمل فقد تدخل ابن عمها في العراك وهربت وهي مغطية وجهها عن ابن عمها الذي لم يراعي حرمة ذلك وانفردا به ضربا وسبابا وقاما بطرده من البيت .
وسط فرحة غامرة من زوجته دلال التي رأت أن في طرده إلى الشارع أهم انتصاراتها فهكذا تضمن ضياع مستقبله ويتلاشى خوفها منه .
هام سمير على وجهه في الطريق ينفث حرقته من عمه وابنه وتسيل من عينيه دموع قهر وذل وخوف على أخته التي تركها خلفه .
وفي هذه الأثناء يمر أبا راشد صديق والده القديم بالقرب منه وينظر إلى سمير في دهشة إنه شديد الشبه بوالده
فيقوم بركن سيارته بالقرب من سمير الذي خاف من السيارة التي كادت أن تصدمه وتراجع إلى الخلف فنزل أبو راشد والدهشة لا زالت تعلو ملامحه وأخذ ينضر إلى سمير والدموع تترقرق في عينيه , وانتقلت الدهشة إلى سمير الذي لم يرى هذا الرجل في حياته من قبل , فبادره .
هل تعرفني ؟؟؟
لم يجب أبو راشد بل اكتفى بالصمت .
أنت إني أسألك هل تريد شيئا ؟؟
ماذا ؟ لا... بلا ... ما اسمك ؟
اسمي سمير .
سمير؟ ما شاء الله تبارك الله أنت سمير ابن ناصر أليس كذلك ؟
نعم أنا هو .
آه أنت ابن الغالي . ابن أعز أصدقائي , واتجه إليه في خطوات ثقيلة محملة بالذكريات والحزن ولف يديه حول سمير الذي اختلطت مشاعره بين الفرحة أن وجد أحد أصدقاء والده وبين ما هو فيه من حزن وخوف على شقيقته .
إلى أين أنت ذاهب يا بني ؟
أنا ؟
نعم أنت ؟
لا أدري فأرض الله واسعة ورحمته أوسع .
ماذا ؟؟؟ أليس لديك مكان تذهب إليه .
لا , ولكن ذلك لا يهم .
بل هو مهم , وأين عمك ؟
عمي ؟؟؟ ليس لي عم بعد اليوم .
فهم أبا راشد أن هناك خلاف بينه وبين عمه فلم يشأ أن يضغط عليه كثيرا , بل طلب منه أن يذهب معه إلى حيث هو ذاهب فقد كان في طريقه إلى حفل عشاء عند أحد أصدقائه القدامى فأبا راشد كان قد انتقل إلى مدينة الرياض بعد وفاة صديقه ناصر بعام ولم يعد إلى مدينة جدة إلى قبل أيام قليله . فقام أصدقائه القدامى بدعوته على العشاء كي يتسامرون معا ويتذكرون أيام قد طويت صفحاتها ولم يبقى منها إلى الذكريات .
ووافق سمير بعد أن ألح عليه أبا راشد ولرغبة في نفسه كان يتمنى دوما أن يحققها فلم يكن هناك من يحدثه عن أباه ولا يعلم عنه إلا أنه كان شخصا فقيرا مات في حادث سيارة لذا وافق وركبا معا في السيارة وفي الطريق توقف أبو راشد أمام قصر لم يشاهد سمير مثله من قبل فقد كان يفوق قصر عمه جمالا , تصميم رائع وحديقة غناء ونوا فير على جانبي مدخلها أخذ سمير ينضر في دهشة ولاحظ أبو راشد ذلك فلم يقطع عليه أفكاره بل سار حتى وصل إلى دوار صغير في نهاية المدخل وتوقف ونزلا من السيارة حيث كان في استقبالهما أحد الخدم الذي طلب من أبو راشد أن يعطيه مفتاح السيارة كي يقوم بركنها في المكان المخصص ففعل ذلك وبينما هما ينظران إليه وهو يحرك السيارة . نظر أبو راشد إلى سمير قائلا .
هل أعجبك تصميم القصر ؟؟
نعم يبدوا أن صديقك هذا مليونيراً ؟
هو كذلك , ولو لم يكن أباك قد توفي لكن الآن يمتلك أكبر منه وأجمل .
ماذا أبي ؟؟
ليقاطعهما صوت من خلفهما , أهلا وسهلا أبا راشد .
التفتا فوجدا رجل أنيق طويل القامة يقف مبتسما .
فرد أبا راشد أيمن مشاء الله تبارك الله على القصر جعله الله منزلا مباركا .
نضر أيمن إلى سمير قائلا من هذا ؟
هذا أنضر إليه ألا يذكرك بأحد .
اختفت ابتسامة أيمن وأخذ يتفحص سميرا . انه يشبه ..... لا بلا هو نسخة منه أليس كذلك .
هز أبو راشد رأسه نعم إنه يشبهه , هذا سمير ابن أعز الناس .
مد أيمن ذراعيه ممسكا بسمير أهلا بك يا سمير أهلا بك في دارك وبين أصدقاء أبيك , الآن تكتمل جمعتنا , وأخذ يقبل سمير , الذي لم تسعه الفرحة بل إن الأرض لم تعد تتسع له أخيرا سمع كلمات تعبر عن محبة الآخرين له أخيرا وجد من يقدره ويقدر ذكر والده . وكانت كلمات أبو راشد يتكرر صداها في رأسه , أبي كان غنيا , إذا عمي كان يكذب علي وعلي أختي طوال تلك السنين .
سحب أيمن سمير بيده تفضل أهلا بكما , أهلا بكما .
دخل سمير القصر وأخذ ينضر إليه إلى كل زاوية يمر بها إنه تحفة معماريه رائعة وأثاثه متناسق ويوحي منضره أنه غالي الثمن , حتى وصلا إلى إحدى الغرف , وسمع في داخلها صوت ضحكات تتعالى فدخل وأيمن ممسكا بيده فوجد ثلاثة رجال يجلسون على الأرض وبيد كل منهم فنجال من القهوة وأمامهم بعض التمر وأنواع من الحلويات , ويقف بجوارهم أحد الخدم يصب لهم القهوة .
ولاحظ أن نظراتهم تسمرت عليه .
نعم انتم تنضرون إلى سمير ابن ناصر .
وقف الجميع في دهشة ورحبوا به وكل منهم يطلب منه الجلوس بقربه .
وأنا ألن يرحب بي أحد . ألم تلاحظوا وجودي .؟؟
لقد غفل الجميع عن أبا راشد الذي كان يقف خلف أيمن متعمدا ليرى ردة فعل أصدقائه على الهدية التي أحضرها .
تلافى أصحابه غفلتهم وأخذوا يرحبون به ويعتذرون .
وبعد أن جلس الجميع بدأ أيمن يعرفه بهم .
هذا عمك حسن وهذا عمك عبد العزيز وهذا عمك محمد .
وأنت أبو راشد من أين أتيت لنا بسمير فمنذ أن انتقل عمه نايف من الحي القديم لم نراه أو نسمع عنه شيئا .
نظر سمير إليه خوفا من أن يخبرهم ولكن أبا راشد كان شديد الفراسة .
لقد بحثت عن عنوان عمه نايف حتى وجدته ثم ذهبت إليه وطلبت منه أن يسمح لي باصطحابه معي ووافق .
لم يشعر العم حسن بنفسه حتى قال عليه اللعنة آكل أموال الأيتام .
التفت إليه سمير ماذا ؟
من تقصد ؟؟؟
قاطعهما أبا راشد . لا عليك فعمك حسن يبدوا أنه بدأ يهذي يجب أن تتعود عليه .
ولكن ؟؟
لا تقل لكن بل أخبرني عن أختك سميرة .
صمت سمير وتذكر ما ترك أخته عليه , فلا يعلم ماذا حدث لها ,
إنها بخير .
هل تدرس ؟
لا لقد أنهت الثانوية منذ عامين وهي الآن في منزل عمي .
ألم تدخل الجامعة ؟
لا فقد ....
ماذا ؟
لم يسمح لها عمي بذلك .
آه لا عليك سوف تتحسن الأمور .
شعر سمير أن أبا راشد قد فهم معاناته دون أن يخبره بها .
وأنت ؟؟؟
أنا أنهيت الثانوية هذا العام ولكن لم أتمكن من اللحاق بموعد التسجيل في الجامعة والآن أبحث عن عمل .
قاطعهما أيمن , تبحث عن عمل ؟؟؟
نعم .
أنت من الآن تعمل معي .
حقا ؟؟؟؟
نعم فأنت ابن الرجل الذي كان سببا في ما أنا فيه الآن .
وكيف ذلك ؟
لقد بدأت تجارتي بمبلغ من المال اقترضته من والدك . الذي لم يبخل علي حتى بالمشورة والنصيحة .
لم أعلم أن أبي كان له أصدقاء , وأنا الآن أحمد الله أني تعرفت بكم .
لا عليك فأنت الآن قد تعرفت بنا وأي شيء تريده لا تتردد في طلبه .
أخذ الجميع يتسامرون ويقصون على سمير مغامراتهم وقصص مراهقتهم وطيشهم والمواقف المضحكة التي مروا بها وكان أباه طرفا فيها لأول مرة يسمع من يحدثه عن أباه ويخبره بشيء من ماضيه الذي أخفاه عمه وزوجته عنه . كان يستمع إليهم ولا يريد منهم أن يتوقفوا أبدا , حتى قاطعهم أحد الخدم العشاء جاهز .
فرحب بهم أيمن وانطلق الجميع إلى غرفة الطعام في جهة أخرى من القصر , وعند دخولهم رأى سمير أنواع كثيرة من الطعام كل ما لذ وطاب كان موجودا على المائدة هذا الطعام الذي كان يتناوله عمه وزوجته وابنهما من دونه هو وشقيقته .
لم يتردد سمير في تناول ما اشتهته نفسه حتى شبع وبقي منتظرا الآخرين حتى ينتهوا من طعامهم ولكن أيمن قاطعه , هل انتهيت ؟
نعم .
لا عليك إذا كنت تريد غسل يديك اتجه إل المغسلة ومنها عد إلى الغرفة التي كنا فيها ونحن سوف نلحق بك .
حسنا .
خرج سمير فقد كان يريد هذه الفرصة يريد أن يملأ عينيه من هذا القصر ويتجول فيه براحته , فسار حتى وصل إلى زاوية من القصر فيها باب كبير عليه ستارة بيضاء يدل الهواء الذي يتمايل بها أنها تطل على الحديقة فرفع الستارة ودخل ليرى منضر رائع للحديقة . وبينما هو يتأمل الحديقة سمع صوت فتاة تتغنى بأغنية المعازيم .
في زحمة الناس صعبه حالتي
مثلي وقفت تلمس جروحي وحيرتي
بعيده وقفت وأنا بعيد بلهفتي
ارتبك سمير فلم يعرف ماذا يفعل وأين يختبئ شعر بأنه لص حاول أن يتجه إلى زاوية يختبئ خلف شتلة زراعيه موضوعة فيها ولكن المكان لم يتسع له فوقف ينتظر ماذا يحدث . فدخلت ريم ابنة أيمن الوحيدة .
لقد كانت جميلة جدا وشعرها منسدل بين كتفيها وبيدها وردة تشتم رائحتها .
فلما رأته لم تستطع أن تتحرك بل وقفت تنظر إليه في خوف .
فتحرك هو مسرعا إلى الداخل , دون أن يلتفت إليها .
أما هيه فتسمرت قليلا ثم لحقت به فرأته يدخل على والدها وأصحابه ,ففهمت أنه أحد أبنائهم , ولكن ابن من ؟؟
عادت إلى غرفتها وهي مرتبكة هل سمعني أغني ؟؟؟
من هو ؟؟؟
هل أعجبه صوتي ؟؟ أم كان مضحكا ؟
وما همي يعجبه صوتي أم لا ؟
ماذا كان يفعل هناك ؟
ثم عادت إلى حيث ضيوف أبيها لعلها تسمع أي شيء تعرف من خلاله من هو ؟
فسمعت صوت أباه يودعهم ثم رأته يمسك به قائلا لا تنسى يا سمير غدا تأتي إلى مكتبي في الساعة الثامنة صباحا , وخذ العنوان من عمك أبا راشد .
شكرا لك سوف أكون هناك في تمام الثامنة إنشاء الله .
اسمه سمير ؟؟؟
من سمير هذا ؟؟؟
لا يوجد لدى والدي صديق له ابن اسمه سمير ؟