الفصل الثاني
تتوقف السيارات جانبا وينزل ركابها لا حول ولا قوة إلا باله , لا اله إلا الله ,
أفسحوا الطريق أمام سيارة الإسعاف .
تحمل سيارة الإسعاف المصابين إلى المستشفى مسرعة ليجدوا أطباء الطوارئ في استقبالهم ويقومون بمعاينة المصابين . فينضر الأطباء إلى بعضهم لا اله إلا الله إنا لله وإنا إليه راجعون لقد توفيت السيدة .
فيلتفتون إلى الرجل الذي فتح عيناه على قولهم . ليصرخ بصوت عالي .
لا لا تموتي الآن يا رب الرحمة يا رب . ويعود ليغمض عيناه فيسرع الأطباء وهم يكفكفون دموعهم ليدخلوه إلى غرفة العمليات .
وفي الخارج يقف أحد رجال المرور ممسكا بهوية صاحب السيارة ويحدث زميله ألم تجدوا شيئا آخر ؟
بعض النقود وحقيبة ملابس يبدو أنهم مسافرين .
حسنا فسوف نعرف عنوانه .
يرن هاتف نايف فينادي على زوجته دلال أجيبي على الهاتف .
ولما لا تجيب أنت ؟؟
لا أحد يتصل بي إنها إحدى صديقاتك بكل تأكيد , وتمتم ومن غير النساء يحب الحديث في الهاتف .
لينقطع صوت جرس الهاتف قبل أن تصل إليه دلال .
أرأيت لا خير فيك حتى الهاتف لا تجيب عليه .
بدأنا نعيد نفس الموال .
نعم فأنت منذ أن تركت عملك لا عمل لك سوى التلفاز والسهر مع العاطلين أمثالك .
وماذا تريدين مني أن أفعل ؟
ابحث عن عمل .
أين ؟؟
صمتت قليلا ثم اتجهت إليه ونظراتها تمتلئ مكرا ,
لما لا تعمل مع أخيك في الشركة ؟؟ ومن أولى منك بالعمل لديه ؟
لا أحد ولكن ؟؟
ولكن ... ماذا ؟؟؟
لا أعرف أشعر أنني حين أقف أمامه كأني نكرة كأني أعترف له أنه أفضل مني فقد عارضته عندما بدأ هذا العمل وقلت له أنه سوف يورط نفسه في الديون وحينها لن أقف معه ولن أساعده .
آه هذا من حضي السيئ , فأنت ...
يرن الهاتف مجددا . أنت قم ورد على الهاتف الآن .
حسنا سوف أقوم .
يمسك نايف بسماعة الهاتف نعم ,
هل هذا منزل نايف ؟
نعم
أنا آسف ولكن نود منك أن تحضر إلى المستشفى سريعا .
لماذا ؟
إن أخاك ناصر قد تعرض إلى حادث مروري , وهو الآن في غرفة العمليات .
أغلق نايف الهاتف وأسرع باتجاه الباب لتوقفه زوجته .
ماذا حدث ؟؟؟
لقد تعرض ناصر إلى حادث سير وهو الآن في غرفة العمليات .
وهل كان معه أحد ؟؟
لا أدري ابتعدي عن طريقي .
فتح نايف الباب مسرعا وانطلق بسيارته .
فأخذت تفكر حقا حادث ؟؟؟
ماذا لو ....؟
ياه سوف يكون يوم سعدي فمن له غير أخاه يرث ما لديه ؟؟
زوجته ؟؟؟ أطفاله ؟؟؟
لا سوف يكون هو وحده الوريث أما هي وأطفالها فأمرهم سهل جدا .
ماذا لو لم يمت ؟؟؟
حينها فليمت من كان سبب في همي وتعاستي .
المهم أن يموت أحدهما كي أرتاح .
وفي المستشفى .
كان الأطباء مجتمعين خارج غرفة العمليات فداهمهم نايف مسرعا أين هو ؟؟
صمت الجميع , بحيث فهم من صمتهم أنه انتقل إلى جوار ربه . ليجلس على أحد المقاعد القريبة منه ,
ورفع رأسه هل كان معه أحد ؟؟؟
لم يجبه أحد من الأطباء ليمسك بأحدهم ألا تتحدثون ؟؟؟
ليسمع صوتا من خلفه أنت نايف ؟؟؟
التفت خلفه ليجد رجل المرور مقبلا عليه , نعم أنا .
أذكر الله
لا اله إلا الله , أرجوك من كان معه .
ليسمع الجميع صوت صيحات عاليه والناس يهرولون باتجاه الصوت فانطلق رجل المرور وتبعه الأطباء
ونايف فوجدوا ماجد يصرخ ليعرف نايف أن زوجته معه . ولكن الأطفال ؟؟؟
فأسرع وأمسك برجل المرور قائلا والأطفال ؟؟؟؟
فأشار برأسه قائلا ليس معهما أحد هما فقط .
فاتجه نايف إلى ماجد وأمسك بكتفيه قائلا .
لن يعيد لنا البكاء أحدا , هل تعرف أين الأطفال فهز رأسه نعم هم عندي في بيتي . وأخذ الاثنان يواسيان بعضهما ثم عاد كل منهم إلى منزله ليخبر أقاربه كي يصلوا عليهم صلاة العشاء .
عاد ماجد إلى منزله باكيا فعرفت زوجته أنه قد فقد شقيقته المسكين قد فقد أمه قبل ثلاثة أشهر وقبلها بعام والده ولم يتبقى له من عائلته أحد غيرها ولآن رحلت وتركته وحيدا إذا سوف أكون له الأم والأب والأخت .
بادرته ألا تعلم أن كثرة البكاء على الميت تعذبه في قبره ؟
عليك بالدعاء لها بالرحمة .
لم يلتفت إليها بل اتجه إلى أطفال أخته في الغرفة المجاورة وأخذ يقبل فيهم وهو يبكي بحرقة فبدأ الأطفال بالبكاء وهم لا يعلمون شيئا أبكاهم منضره وأحسوا بأن شيئا جللا قد وقع وهم طرف فيه .
لتدخل زوجته خلفه لقد اتصل نايف يقول سوف نؤجل الصلاة عليهما حتى الفجر لأن هناك أناس من أقاربه قادمون من خارج مدينة جدة .
فأشار إليها بيده انه لا يمانع .
سعد الطفل الأكبر يبلغ من العمر ستة سنوات كان يستمع إليها غير مدرك تماما ما تقوله زوجة خاله . نضر إلى عينيها مباشرة وقال .
هل اتصلت أمي أو أبي ؟؟
فصرخ خاله بأعلى صوته يا رب ارحمهما ودخل في دوامة من البكاء .
ففهم سعد ما كان يريد فهمه هل مات أبي وأمي ؟؟؟
لم يستطع خاله أن ينضر في عينيه بل اشتد بكائه .
لتلتقط زوجته سعد بيده وتخرجه من الغرفة إلى أخرى وتشرح له الأمر فما كان منه إلا أن رفض تصديق كلامها , وقال .
لا قد يكونا تاها في الطريق سوف أبحث عنهما .
ليطلق لساقيه العنان متجها نحو باب المنزل .
حاولت اللحاق به عبثا فقد كانت حامل فلم تستطع الجري خلفه توقفت ثم عادت إلى زوجها مستنجدة به لقد هرب سعد .
فقام ليلحق به وعندما وصل إلى باب المنزل نضر إلى الطريق فلم يرى أحدا أخذ يعدو وينادي عليه .
ولكن لا أحد فقد اختفى تماما .
فعاد مسرعا إلى منزله واتصل برجال الأمن .
حضر المحققون إلى منزل ماجد وعرفوا منه ما حدث بالتفاصيل المملة وطلبوا منه صورة لسعد ولكن لم يكن عنده أي صورة لسعد سوا صورة قديمة وهو صغير وفي صورة عائلية فاتجه مع المحققين إلى منزل ناصر بعد أن اتصل على نايف وطلب منه أن يقابلهم هناك , وصل الجميع فوجدوه واقف أمامهم , لم يكن ماجد يعرف كيف يخبره بما حدث , فطلب من رجال الأمن فعل ذلك .
وقف الجميع أمامه وهو مذهول التفت إلى ماجد .
ماذا حدث أيضا ؟؟
فأجاب رجل الأمن لقد هرب ابن أخيك سعد من منزل خاله .
وكيف ؟؟؟ أين ذهب إنه طفل صغير ؟
لم يصدق أن والديه قد توفيا .
وأنت أين كنت أنت وزوجتك ؟؟؟
لقد كان مع زوجتي التي أخبرته بوفاة والديه فهرب من المنزل قال بأنه ذاهب للبحث عنهما .
يا إلهي وكيف تخبروا طفلا عمره ست سنين أن أبواه توفيا أليس في قلوبكما رحمة ألا تعرفان كيف تعاملان طفل في مثل عمره ؟ سوف أقتلك إن لم أجده .
لا حول ولا قوة إلا باله . هل تظن أني لا أبالي ؟
نعم لا تبالي فهجم نايف على ماجد إلا أن رجال الأمن حالوا بينهما وطلبوا منه أن يفتح لهم المنزل ليبحثوا فيه عن صورة لسعد فالوقت ليس في صالح الطفل التائه توقف نايف واتجه إلى سيارته وبحث في أغراض أخيه التي استلمها من المستشفى فوجد مجموعة من المفاتيح وبدأ يجربها الواحد تلو الآخر حتى تمكن من فتح الباب فدخل الجميع وطلبوا من ماجد أن يبحث في غرفة نوم شقيقته عن أي صور حديثه لم يتأخر في البحث فعند دخول الغرفة وجد أنها مليئة بعبارات الحب المتبادلة بين أخته وزوجها ثم نضر إلى أعلى السرير ليجد ألبوم صور قد وضع عند رأسيهما ففتحه ووجد صورة لسعد فسحبها , ثم نضر إلى الجهة الأخرى فوجد طاولة صغيرة عليها علب هدايا اتجه إليها وفهم من العبارات المكتوبة أنهما كان يحتفلان معا طوال الليل فابتسم وغادر الغرفة المهم أن شقيقته كانت سعيدة حتى آخر أيامها , فخرج إلى رجال الأمن حاملا الصورة وسلمها لهم وكانوا ينضرون إليه في دهشة فقد دخل والدموع على وجنتيه وخرج مبتسما .
فنظر إليه نايف واشتد غضبه .
تبتسم أنت حقا إنسان لا تبالي ؟ هل وجدت شيئا أضحكك ؟
لم يرد عليه ماجد بل اتجه إلى سيارته في صمت . والجميع غير مدركين للسبب .
هل رأيتم كيف يبتسم سوف الحق به وآخذ أبناء أخي إلى منزلي حتى يكونون أمام عيني .
فقاطعه أحد رجال الأمن .
لا تذهب خلفه الآن غدا بعد أن تنتهي من دفن أخيك تعال إلينا في قسم الشرطة وهناك سوف نحدد من يقوم بحضانة الأطفال الآن اذهب إلى منزلك ونحن سوف نعمم صورة ابن أخيك على جميع المراكز والدوريات وسوف نتصل بك إن كان هناك جديد في الأمر .
أحس نايف أنه يتحدث معه بصرامة فخاف أن يطيل في الحديث فسكت قليلا ثم قال حسنا ولكن أرجوكم أخبروني بكل ما يستجد معكم .
حسنا إلى اللقاء .
ركب رجال الأمن سياراتهم وغادروا المكان سريعا ,بينما كان نايف لا يزال واقفا عند باب أخيه مصدوما من موته والحقد يملأ قلبه من ماجد . لماذا خرج مبتسما ؟
اللعنة عليه إنه لا يستحق أن أطيل التفكير في أمثاله .
فعاد إلى منزله ليجد زوجته أمامه مبتسمة وتنضر إليه بإعجاب مما زاد دهشته ,
لماذا تنضرين إلي هكذا ألا يكفيني الأحمق .؟
الأحمق؟؟ من تقصد .؟
ماجد .
ماجد ؟؟
نعم لقد هرب سعد من منزله والشرطة تبحث عنه الآن .
ماذا هرب ؟؟
نعم هرب فزوجته الغبية أخبرته أن والديه توفيا .
أكيد لابد أن تخبره وتفتح له الباب ولا أستبعد أنها هي من قامت بطرده .
ما الذي تقولينه ؟
ألم تفكر يا غبي أنها رأت في ذلك فرصة العمر .
وكيف ؟؟
تريد أن تستولي هي وزوجها على الشركة ؟
يستوليان على الشركة ؟؟؟
نعم يستوليان عليها .
هل تعلمين أننا ذهبنا إلى بيت ناصر للبحث عن صورة لسعد فدخل ماجد إلى غرفة نومهما وخرج وفي يده الصورة وكان يبتسم ؟
يبتسم ؟؟؟
نعم وعندما سألته لماذا يبتسم ؟ لم يجبني بل اتجه إلى سيارته وتركنا نقف هناك ننضر إليه في ذهول أنا ورجال الأمن .
ألم أقل لك أنك غبي . فبكل تأكيد أنه وجد بعض المال وسرقه أو قد يكون سرق أعظم منه .
ماذا تقصدين .؟
قد يكون أخاك شعر بقرب موته فكتب وصية وأخته أخبرته بها وبمكانها . فدخل وسرقها بعد أن دبر هو وزوجته تلك الحيلة وطردا الطفل حتى يتمكنا من دخول المنزل .
ما هذه الأفكار الشيطانية التي تدور في رأسك ؟ ولما يسرقان وصيه .؟
قد يكون أخاك أوصى لك بشيء فيها أو جعلك أنت الوصي على أملاكه بعد موته ؟
يا الله ما هذه الأفكار ؟
لقد أثرت عليك الأفلام والمسلسلات التي تتابعينها طوال اليوم على التلفاز .
سوف ترى ..... ولكن أين سمير وسميرة ؟؟؟
أنهما عنده .
ولما لم تأتي بهما ؟؟
سوف أحضرهما غدا .
ترك نايف زوجته دلال وأفكارها وصعد مسرعا إلا الطابق العلوي في منزلة لبس ملابس جديدة ثم نزل ليجدها في مكانها تتمتم كمن أصابها مس .
هل أنت مجنونة ؟؟؟
فنظرت إليه بنضرة احتقار. ولم تجبه .
فأسرع إلى الخارج فنادته إلى أين ؟؟
التفت إليها إلى المطار سيصل بعض أقاربي من الرياض الآن ومنه المستشفى ثم نذهب لمغسلة الموتى نكفنه ونجهزه للصلاة . هل تريدين معرفة شيء آخر ؟؟؟
لا اذهب .